مكافحة التغير المناخي يبدأ معك

ماذا عن التقدم المحرز في تنفيذ الهدف 13 "العمل من أجل المناخ" ؟ من خلال الاستعراض الوطني الطوعي لإنجاز أهداف التنمية المستدامة بالمغرب، 2020

د. يوسف الكمري (المملكة المغربية)

أستاذ باحث وعضو شبكة العمل المناخي بالوطن العربي (CANAW)

تقديم

اعتمدت أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030 من قبل كافة الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وعددها 193 بلدا وذلك في 25 شتنبر/أيلول سنة 2015 كجزء لا يتجزأ من "تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لسنة 2030". وهي بدورها تحدد أهدافا إنمائية عالمية طويلة المدى من شأنها أن تعزز وسائل أكثر استدامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع البلدان، اعتمادا على الدروس المستفادة من الأهداف الإنمائية للألفية التي تم تنفيذها منذ سنة 2000 وحتى سنة 2015 [1]. وقد دخلت هذه الأهداف العالمية الجديدة، ويشار إليها مجتمعة بخطة التنمية المستدامة لسنة 2030، حيز التنفيذ اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني من سنة 2016، ومن المتوقع أن تتحقق بحلول سنة 2030. وقد تم اعتماد أهداف التنمية المستدامة من قبل كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وإقرارها من قبل السلطة التنفيذية لحكومة كل بلد، بما فيها المملكة المغربية.

وفي هذا الإطار، قدمت المملكة المغربية، للمرة الثانية منذ سنة 2016، الاستعراض الوطني الطوعي الخاص بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030، وذلك عند مشاركتها في المنتدى السياسي الرفيع المستوى للتنمية المستدامة تحت رعاية المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، والذي نظم من 7 الى 17 يوليوز 2020، فكان لا بد من مراجعة ودراسة الأهداف المسطرة لتحقيق التنمية وكذا الحصيلة التي تم التوصل إليها منذ تسطير هذه الاهداف، وهذا ما تضمنه تقرير الاستعراض الوطني الطوعي لإنجاز أهداف التنمية المستدامة برسم سنة 2020 بالمغرب [2]. وفي هذا الصدد كان من الضروري التوجه نحو إعداد تقرير يعد بمثابة خارطة للطريق، من أبرز مميزاته كونه يتسم بالعلمية والاستقلالية في الصياغة، ليحمل في مضامينه سمات الرصد والتقييم بالإضافة إلى الاستناد على العمل الميداني لضمان الدقة والمصداقية في النتائج المستخلصة. التقرير المنجز من قبل المندوبية السامية للتخطيط ، تمت صياغته بناء على المعطيات الإحصائية التي خصصتها لأهداف التنمية المستدامة (قاعدة البيانات الإحصائية) وكذا باعتماد حصيلة القطاعات الحكومية المعنية، كل حسب اختصاصها.  بعنوان : الاستعراض الوطني الطوعي لإنجاز أهداف التنمية المستدامة برسم سنة 2020 .ويقدم عرضا شاملا لإنجازات المملكة المغربية بالنسبة لكل هدف من أهداف التنمية المستدامة ولبرنامج التنمية المستدامة 2015-2030. كما يطرح  تقييما عاما لسيناريوهات تطورها في أفق 2030 على ضوء السياسات الحكومية المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. من خلال هذا المقال، نسعى إلى التركيز على الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030، وهو «العمل المناخي: اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره» [3]، من خلال قراءة تحليلية للتقرير الوطني الصادر سنة 2020، من قبل المندوبية السامية للتخطيط، ويرصد في محور أول، أهم الإنجازات التي جاءت في شأن قضايا تغير المناخ، ويسلط الضوء في محور ثان على أهم التحديات التي يعرفها المغرب، وكذا الاستراتيجيات والمشاريع المنجزة أو في طور التنفيذـ، والمبذولة في هذا الصدد، من خلال تعميم ما جاء في هذا التقرير الوطني (2020). 

المغرب يتخذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره

انخرط المغرب مبكرا وبشكل إرادي في مكافحة آثار التغيرات المناخية وذلك عبر نهجه مقاربة استباقية ومسؤولة تمتثل في تعزيز منظومته المؤسساتية والقانونية وكذا إطلاق عدة برامج مهيكلة ذات بعد مناخي. وتنبثق هذه الإنجازات عن إرادة سياسية على أعلى مستوى ترجمتها كذلك الجهود التي تبدلها المملكة من أجل الوفاء بالتزاماتها الدولية فميا يخص الحد من انبعاث الغازات الدفيئة والتي تضمنتها المساهمة المحددة وطنيا التي قدمها المغرب.وإدراكًا منه لتداعيات تغير المناخ على النظم البيئية والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية في السنوات الأخيرة، اعتمد المغرب نهجا طوعيا ومتكاملا وتشاركيا ومسؤولا في جهودها للتكيف والتخفيف، والتي تشكل إحدى الركائز الرئيسية لاستراتيجيتها الوطنية للتنمية المستدامة (SNDD)، كما انضمت المملكة إلى الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ من خلال التوقيع في عام 1992 والتصديق في عام 1995 على الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ  (UNFCCC)[4]، كما صادق المغرب على بروتوكول كيوتو (KP) في عام 2002 [5] وعلى اتفاق باريس (PA) في عام 2016 [6].لذلك، يؤيد المغرب السعي المستمر لتنفيذ اتفاق باريس الذي ينص في مادته 4 (9) على الإبلاغ عن المساهمة المحددة وطنيا (CDN) كل خمس سنوات ابتداء من 2020. وقد بدأت المملكة المغربية في العام الجاري (2020) مراجعة مساهمتها المحددة وطنيا (CDN)، التي أنجزت في 19 سبتمبر 2016 [7]، حيث سيجري تقدميها إلى أمانة الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ خلال سنة 2020. وفي نفس السياق، قدم المغرب بلاغه الوطني الثالث في 2016 بالإضافة إلى تقريرين حول وضعية الانبعاثات بالمملكة سنتي 2016 و2019. وهو في صدد إعداد البلاغ الوطني الرابع الذي من المنتظر تقدميه في نهاية سنة 2020 [8].

ما هي أهم الإنجازات المبذولة في شأن اتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ وآثاره بالمغرب ؟

تأثير التغيرات المناخية على المغرب

حسب ما جاء في التقرير، يعتبر المغرب من بين أكثر بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط المهددة بآثــار التغيرات المناخية وذلك نظرا لموقعه الجغرافي، وظروفه المناخية وكذا تنوع أنظمته البيئية. فموازاة مع التغير التدريجي في أحوال الطقس، تتجلى آثار تغير المناخ أيضا من خلال تزايد وتيرة وحدة الظواهر المناخية القصوى مثل موجات البرد والحرارة القصوى، والجفاف، والفيضانات، والانهيارات الأرضية، وما إلى ذلك مما تتسبب فيه الكوارث الطبيعية والتي تخلف خسائر هامـة يمكن أن تعرقل جهود البلاد من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبالنظر إلى تاريخ الكوارث الطبيعية التي اجتاحت المغرب خلال العقود الأخيرة، يلاحظ أن أهم المخاطر من حيث الآثار على الصعيد البشري والمادي تتعلق بصفة خاصة بالفيضانات والزلازل والانهيارات الأرضية. ويظل القطاع الفلاحي في المغرب وخصوصا الفلاحة البورية، عرضة لتقلبات المناخ حيث يزيد الاضطراب المناخي من هشاشة القطاع. و يتأثر كذلك قطاع البنيات التحتية وخاصة تلك المتعلقة بالطرق، بالظواهر القصوى التي يشهدها المغرب، حيث كانت التكلفة الاجمالية  لإصلاح الأضرار الاستثنائية التي لحقت بالبنيات التحتية للطرق جراء الفيضانات التي شهدتها البلاج بين عامي 2008 و2011 جد مكلفة [8]. وقد تسببت اضطرابات المناخ هذه في خسائر كبرى للبنيات التحتية بانهيار قناطر وجسور على الأودية والانهار، بالإضافة إلى انهيارات أرضية، وتلف في بنيات الصرف الصحي وتدهور قارعة الطرق. وقد كان لهذا الضرر تداعيات خطيرة على حركة المرور. أما في ما يتعلق بتدبير مخاطر حرائق الغابات، فقد تم بذل جهود كبيرة، بشراكة بين القطاعات المعنية، وذلك في إطار المخطط المديري للوقاية وحماية حرائق الغابات بالمغرب الهادف إلى منع وتخفيف تداعيات هذه الآفة على الموارد الغابوية وممتلكات السكان.ويشير نفس التقرير، على أنه منذ سنة 2009،قام المغرب بإحداث صندوقا خاصا لمكافحة آثار الكوارث الطبيعية، كما عمل ابتداء من سنة 2016 ، وبدعم من البنك الدولي، بوضع برنامج حكومي للتدبير المندمج لمخاطر الكوارث الطبيعية والذي سمح بتقديم دعم سنوي للمشاريع، تستفيد منه الإدارات والمؤسسات العمومية وكذا الجماعات الترابية [9].

جهود المغرب من أجل حماية ساكنته وترابه من آثار التغيرات المناخية

وأشار التقرير ذاته، على أن المغرب قام بوضع" رؤية وطنية في أفق سنة 2030" لجعل ترابه وحضارته أكثر مقاومة في مواجهة التغير الماخي مع ضمان الانتقال السريع نحو نمو اقتصادي منخفض من حيث مخلف الكربون. ولهذا الغرض، يبرز التقرير، العديد من الجهود المبذولة على مستويات مختلفة، والتي تمتثل في:

1-  تقوية نظام الحكامة: من خلال تعزيز الإطار المؤسساتي والقانوني المتعلق بتغير المناخ عبر مأسسة المنظومة الوطنية لجرد الغازات المسببة للاحتباس الحراري (المرسوم رقم 74-18-2 المؤرخ 21 مارس 2019 والذي يهدف إلى جمع ومعاجلة المعلومات المتعلقة بالأنشطة القطاعية التي تعد مصدرا الانبعاث الغازات الدفيئة وكذا مختلف البيانات الضرورية لإعداد الجرد الوطني لهذه الانبعاثات، وفقا للمعايير الدولية (وكذا إنشاء إطار مؤسساتي وطني لتغير المناخ بإحداث اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية والتنوع البيولوجي (المرسوم رقم 721-19-2 المؤرخ بتاريخ 27 أبريل 2020) وهي هيئة للتشاور والتنسيق من أجل تنفيذ السياسة الوطنية في مجال حماية التغيرات المناخية والمحافظة على التنوع البيولوجي [10].

ومن جهة أخرى، تم إنشاء مركز الكفاءة تغير المناخ [11] لتعزيز مهارات الفاعلين ذوي الصلة في مختلف الأقطاب (العمومي، الاقتصادي، البحث والتكوين، المجتمع المدني، الجماعات الترابية، ...) كما يعد أداة للتطوير ونش المهارات في ميدان التغير المناخي منفتح على محيطه الإقليمي والإفريقي.ولتعزيز الجانب القانوني، يتم وضع مشروع قانون يهدف إلى رسم المبادئ الأساسية لخطة العمل الوطنية بشأن المناخ، كما يحدد الأهداف الوطنية لمكافحة تغير المناخ ويساهم في الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة هذا التغير، من خلال التنفيذ الفعال والموافق لاتفاق باريس بشأن المناخ.

2-  بناء القدرة على الصمود والتكيف مع التغيرات المناخية بالنسبة للسكان والموارد الطبيعية والأنظمة الإيكولوجية والقطاعات الإنتاجية الأكثر حساسية لتغير المناخ. وقد ركزت تدابير التكيف مع تغير المناخ في البداية على الموارد المائية والقطاع الفلاحي والموارد السمكية والغابات والتنوع البيولوجي. في حين يتم بعد ذلك، إيلاء أهمية إضافية للأنظمة البيئية الحساسة (الواحات والجبال والسواحل(، والبنية التحتية للطرق، والتربة، والسكنى بالإضافة إلى صحة ورفاهية المواطنين؛

3-  الالتزام الطوعي بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة : في هذا الصدد، التزم المغرب طواعية خلال مساهمته المحددة وطنيا والمقدمة سنة 2016، بالحد من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسعى إلى تحقيق هدف غير مشروط يمتثل في التخفيض بنسبة 17 % من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في سنة 2030 قياسًا بالانبعاثات المقررة في نفس السنة حسب السيناريو العادي لسير الأعمال، مع تخفيض بنسبة 25 % مرهون بالحصول على دعم مالي من طرف المنتظم الدولي، مما يرفع التخفيض الكلي لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى نسبة 42 % سنة 2030 قياسًا بالانبعاثات المقررة في نفس السنة حسب السيناريو العادي لسري الأعمال، لا سيما في مجالات الطاقة والفلاحة والغابات والنقل والنفايات والصناعة والإسكان؛

4-  انخراط الجماعات الترابية في الدينامية المناخية حيث تولي السياسة الوطنية للمناخ اهتماما خاصا للجهات وذلك من خلال إدماج التدبير المندمج لتغير المناخ في مقتضيات التخطيط والتدبير على مستوى الأقاليم والجهات. وتتعلق هذه الركيزة أيضا بتعميم التصاميم المناخية الجهوية، كما تهدف إلى الرفع من التوعية المجالية والتعريف بشأن تغير المناخ. و فميا يتعلق هشاشة المناطق الحساسة، تم إطلاق مشروع لإعادة دعم النظم البيئية الفلاحية في الواحات من خلال مقاربة مندمجة ومستدامة لتنشيط هذه النظم البيئية بجهة درعة-تافيلالت (الجنوب الشرقي للمغرب) ؛

5- بناء القدرات والتعاون جنوب-جنوب: بغية تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب، أطلقت المملكة المغربية العديد من المبادرات الوطنية والقارية، وخصوصا تلك التي تم إطلاقها خلال الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف حول التغير المناخي (كوب 22) المنظمة بالمغرب.  ويتعلق الأمر بالمبادرة الثلاثية لتعزيز الاستقرار والأمن والاستدامة لمواجهة الهجرة الناجمة عن التدهور البيئي والتغير المناخي، والمبادرة الثلاثية لتكييف الفلاحة بإفريقيا مع التغير المناخي. وتدخل في نفس الإطار المبادرات المتعلقة بإحداث لجن المناخ الثلاثة ” لجنة الساحل ولجنة الكونغو ولجنة جزر القمر“. ويرافق مركز الكفاءة تغير المناخ بالمغرب تفعيل هذه اللجن من خلال تحديد مخططات الاستثمار وكذا آليات التمويل المناسبة لتنفيذها.

6- الحصول على التمويل: في هذا الإطار، وضع المغرب برنامجاً وطنيا استراتيجيا مع الصندوق الأخضر للمناخ [12] يعكس الأولويات القطاعية الرئيسية من حيث المشاريع والبرامج التي سيتم تمويلها من قبل هذا الصندوق، بالإضافة إلى تعزيز الولوج المباشر للتمويلات المتاحة من قبل هذا الصندوق وذلك بدعم المؤسسات الوطنية مثل وكالة التنمية الفلاحية وصندوق الإيداع والتدبير- الرأسمال والتجاري وفا بنك علما أن مؤسسات أخرى هي في طور الاعتماد. وتتوفر المملكة على ست مشاريع معتمدة من لدن الصندوق الأخضر للمناخ [8]، بما في ذلك 3 مشاريع وطنية و3 مشاريع أخرى مشتركة. كما استفاد المغرب من دعم العديد من المبادرات الدولية، بما في ذلك الشراكة من أجل المساهمات المحددة وطنيا والتسهيلات الممنوحة لمشاريع التخفيف من الانبعاثات الدفيئة وكذا من طرف وكالة التعاون الدولي الألماني (GIZومن جهة أخرى، يتم اعتماد وتنفيذ استراتيجيات محلية للحد من المخاطر من خلال إنجاز المشاريع المخصصة لتدبير المخاطر، والتي يمكن تمويلها  بشراكة مع صندوق مكافحة الكوارث الطبيعية[13]. كما يتم ذلك أيضا من خلال بناء القدرات بما فيها قدرات العنصر البشري المتعلقة بتدبير مخاطر الكوارث. وفي نفس السياق، تم إطلاق مبادرات أخرى من قبل القطاعات الوزارية على غرار برنامج الخبرة للتمويل من أجل المناخ، الذي أطلق بشراكة مع الإدارة العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية والجمعية المغربية لرؤساء المجالس البلدية وجمعية جهات المغرب، وبدمع من الصندوق العاملي لتنمية المدن.

7-  التواصل والتعليم والتحسيس. يعمل المغرب على تطوير المناهج الدراسية التي تتعلق بتغير المناخ من خلال 1) إعداد المدرسين المتخصصين في الموضوع، 2)  إدراج برامج تحسيسية في مختلف المدارس والجامعات، و3) تطوير مناهج دراسية ذات صلة بالتغير المناخي، مخصصة لمختلف المستويات الدراسية وذلك من خلال وضع مواد وأنشطة تربوية ملائمة.

التحديات الرئيسية التي يواجهها المغرب حالياً في شأن تغير المناخ:

من جانب آخر، ولمواجهة تحدياته الناجمة عن تغير المناخ، أكد التقرير المنجز، على أنه من الضروري أن يتبنى المغرب مقاربة ترتكز على معالجة مكامن الهشاشة ومواجهة كذلك مختلف التحديات الأخرى، وخصوصا:

1- إتقان آليات الحكامة والتنسيق المؤسساتي المرتبطة بتغير المناخ: حيث تهم القضايا المتعلقة بالتغيرات المناخية العديد من الفاعلين في حين تبقى المسؤوليات متداخلة فميا بينها في بعض الأحيان مما يقتضي وضع نظام حكامة فعال لضامن تناسق وتماسك السياسات العامة على المستويين الأفقي والعمودي

2- تعزيز قدرة البلاد على التكيف وجعل العمل المناخي على المستوى المحلي: من الواضح أنه على الرغم من الطرح المتواصل لقضية التكيف مع التغير المناخي في الخطابات الوطنية إلا أن التعاطي مع هذه المسألة في السياسة العمومية يتسم بالبطء. فغالبا ما تقتصر الاستجابات للضغوط والأخطار المتعلقة بالمناخ في الاستراتيجيات القطاعية على تدابير الطوارئ التفاعلية قصيرة المدى، دون الأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية المستقبلية واحتياجات المناطق. ومن أجل ذلك، يجب تعزيز قدرات الجماعات الترابية على التكيف مع تغير المناخ، خصوصا في قطاعات الماء والفلاحة والبنيات التحتية وخصوصا تلك المتعلقة بقطاع النقل

3- تعزيز الوقاية من المخاطر وتدبريها: تواجه مسألة الاستعداد للمخاطر وحسن تدبريها عدة تحديات تمتثل في مجملها في تعدد الجهات المتدخلة وضعف التنسيق فميا بينها، كما تعاني من التكلفة الباهظة لعملية الاستجابة في الوقت اللازم للطوارئ مما يجعل من الصعب الاستفادة من التجارب السابقة لتحديد الوسائل الضرورية للوقاية والتعافي وإعادة التأهيل؛

4-تعزيز التعريف بالإشكالات البيئية حيث يعتبر فهم الظواهر والتوعية والوصول إلى المعلومات البيئية إضافة إلى بناء القدرات من العناصر الأساسية التي يجب تعزيزها في هذا الإطار

5- التمويل: في هذا الصدد، من اللازم تعزيز التوافق والتكامل بين تمويل متطلبات التنمية وتمويل المناخ مع محاولة الوصول إلى مصادر تمويل جديدة ومبتكرة، ومن أهمها الصناديق الخاصة.

 

  1. الاستراتيجيات والبرامج

في هذا الصدد، التقرير، يؤكد على أنه تمت بلورة "رؤية المغرب لمكافحة تغير المناخ" من خلال إنجاز مشاريع مهيكلة على صعيد جميع القطاعات الاقتصادية، و ذلك من خلال تبني سياسة طاقية رائدة تتميز بالنجاعة الطاقية ؛ بالإضافة إلى سياسة تعبئة وتنمية وتثمين الموارد المائية ومكافحة الفيضانات والجفاف. ويتم ذلك أيضا من خلال التخطيط الفلاحي لتوفير الأمن الغذائي للسكان مع نهج سياسة النقل المستدام ومقاربة اجتماعية للسكن وكذا التدبير والاستغلال المستدامين للموارد المسكية.وفي هذا الإطار، أدرج المغرب تدابير تتعلق بتغير المناخ في استراتيجياته وتخطيطه الوطني، وذلك من خلال مجموعة من التدابير والإجراءات الآنية (الجدول رقم 1):

الاستراتيجيات والبرامج التدابير والإجراءات

الاستراتيجية الوطنية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية (2020-2030)

[14]

تندرج في  إطار  المقاربة التي تمليها المعايير الدولية، ولا سميا معايري ”إطار سينداي“ للفترة 2015-2030 للحد من مخاطر الكوارث [15].

وترتكز المحاور الخمس الرئيسية لهذه الاستراتيجية حول 1 -تعزيز الحكامة المتعلقة بتدبير المخاطر الطبيعية، 2 - تحسين فهم وتقيم هذه المخاطر -3 ;وضع آليات من أجل الوقاية من هذه الكوارث و تحسين مستوى الاستعداد من أجل التصدي لها، و – 4 الاستعداد لإعادة البناء والتأهيل والإعمار و – 5 تعزيز البحث العلمي والتعاون الدولي وبناء القدرات في إدارة المخاطر. وقد رافق هذه الاستراتيجية إعداد مخطط تنفيذي خماسي للفترة ما بني 2020-2025 يتكون من 18 ً برنامجا و 56 مشروعا. كما تم وضع خطة استعجالية للإجراءات ذات الأولوية للفترة الثلاثية 2020-2022 لمعالجة أوجه القصور من حيث الاستعداد وتدبري هذه المخاطر. وقد تم بالفعل تشكيل لجنة وزارية للتنسيق، على شكل لجنة مركزية، تلحق بها فروع جهوية. وتتعلق الخطوة التالية بتعزيز وإصلاح الإطار القانوني والتنظيمي الوطني لتدبير المخاطر الطبيعية؛

الاستراتيجية الوطنية طويلة الأمد المنخفضة الكربون لعام 2050

[16]
والتي يتم إعدادها بالتشاور مع مختلف القطاعات والتي تهدف إلى الاستفادة من إنجازات المغرب في مجال التحول الطاقي، وضمان تنفيذ وتناسق السياسات العمومية في هذا المجال، مع الأهداف الطويلة الأمد، من خلال وضع قائمة بالتوجيهات الهيكلية للحد من الكربون في الاقتصاد الوطني وكذا تشجيع التحول الطاقي وما صاحبهم من دينامية نظمية؛

عملية وضع المخطط الوطني للمناخ

[17]
الذي يحدد معامل رؤية المغرب في أفق سنة 2030 مرتكزا بذلك على تدابير وتوجهات الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والمساهمة المحددة وطنيا، وعلى مختلف الاستراتيجيات القطاعية. ويهدف المخطط إلى إرساء نموذج تنموي منخفض الكربون وقادر على التكيف مع المناخ. كما يسعى إلى تعبئة كافة الفاعليين القطاعيين والمحليين. يطمح هذا المخطط كذلك إلى توفير استجابة ملموسة لالتزامات المغرب، سواء من حيث التكيف مع التغير المناخي أو التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة؛

صياغة المخطط الوطني للتكيف

[18]
وقد تم تنفيذ هذه العملية وفقًا للمبادئ التوجيهية التقنية التي اعتمدتها أمانة الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ. وتتضمن خطة العمل الوطنية ثالثة أهداف رئيسية، وهي: 1)  تعزيز الصمود والتكيف بالنسبة للسكان وللتراب الوطني بصفة ملاءمة و مستعجلة، 2) الرفع من الدعم السياسي رفيع المستوى بشأن التكيف على الصعيد الوطني و 3) تعبئة الدعم التقني والمالي على المستوى الدولي بخصوص القدرة على التكيف. ويشكل مسلسل صياغة المخطط الوطني للتكيف فرصة لتنسيق وإقامة الروابط الضرورية بين مختلف الالتزامات الدولية الحالية بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة وإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث؛
التصاميم المناخية الجهوية [19] حيث تم إنهاء التصاميم الخاصة بجهتي سوس-ماسة ومراكش-آسفي علماً أنه من المقرر تعميم هذه التصاميم على باقي الجهات خلال سنتي 2020 و2021؛
إنشاء نظام للتتبع والإبلاغ والتحقق من أجل الإيفاء بالتزامات اتفاق باريس. ويغطي هذا النظام الجاري تنفيذه 3 أنواع من أنظمة التتبع والإبلاغ ويتعلق الأمر بكل من انبعاثات الغازات الدفيئة، وإجراءات التخفيف (مثل مراقبة وتقيمي نتائج السياسات أو مشروعات التخفيف)، وكذا الدعم المقدم والمتوصل به، مثل رصد منح الموارد المناخية (المالية والتكنولوجية وغيرها) التي تقدمها الدول أو المنظمات الدولية؛
مخطط عمل وطني لملوثات المناخ القصرية الأمد [20] والذي يجري إعداده في إطار الشراكة مع التحالف من أجل المناخ والهواء النقي الذي أصبح المغرب شريكاً رئيسيًا له منذ سنة 2014؛
برنامج التأمين الفلاحي [8] من أجل مكافحة آثار التقلبات المناخية على هذا القطاع، تشجع الدولة الفلاحين على الانضمام إلى هذا البرنامج من خلال منتوجين للتأمين:  أحدهما للتأمين الشامل بالنسبة للحبوب والبقوليات والبذور الزيتية، مما زاد من المساحة المؤمنة من 327 ألف هكتار سنة 2011 إلى أكثر من مليون هكتار سنة 2016. ويتعلق التأمين الآخر بقطاع الفواكه مما يضمن التأمين ضد 6 أخطار (الصقيع والبرد وارتفاع منسوب المياه في الحقول ودرجات الحرارة المرتفعة والرياح القوية والشركي) والذي يهدف إلى تأمين مساحة سنوية تبلغ  50.000 هكتار سنة 2020.

خلاصة

تندرج الاستعراضات الوطنية الطوعية ضمن نطاق أعمال المتابعة والاستعراض التي تخضع لها خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتي يحتضنها المنتدى السياسي الرفيع المستوى للأمم المتحدة المعني بالتنمية المستدامة، بحيث تشكل الاستعراضات الوطنية الطوعية فرصة سانحة لتبادل الخبرات، بما في ذلك النجاحات والتحديات والدروس المستخلصة، تسريعا لوتيرة تنفيذ خطة التنمية لسنة 2030. وتستمد أهميتها القصوى من أنها تتبع اليات مراجعة شاملة وتشاركية وشفافة ومعمقة على المستويين الوطني والمحلي، وترتكز على أدلة ثابتة، وتخلص إلى دروس وحلول ملموسة، فيما تعقبها خطوات عملية وتعاونية تدفع باتجاه تنزيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة بالمغرب. ويتبيــن مــن خلال تحليــل التقدم المحرز في ما يتعلق بالهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة ضمن التقرير الوطني الطوعي 2020، بخصوص درجــة مراعــاة الاستراتيجيات القطاعيــة لمســألة تطــور المخاطــر المناخيــة وأنـواع هشاشـة المجالات الترابيـة أنـه رغـم التقـدم الـذي حققتـه فـي هـذا الصـدد بعـض القطاعـات الحكومية، فمـا زالــت الحاجــة ماســة إلــى اعتمــاد منهجيــة عمــل منظمــة وشــاملة مــن أجــل إدمــاج المخاطــر المناخيــة فـي عمليتـي تصـور الاستراتيجيات القطاعيـة والتخطيـط علـى المديين المتوسـط والبعيـد مـن جهـة أولـى، ومـن أجـل إعـادة النظـر مـن منظـور دينامـي فـي توجهـات السياسـات القطاعيـة بشأن التكيف مع تغير المناخ حسـب تطـور أنـواع هشاشـة المجالات، مـن جهـة ثانيـة. وفـي هـذا الصـدد، نوصـي بمـا يلـي:

1- تجسيد فعلي ناجع لسياسة التغيرات المناخية على مستوى الجهات، انطلاقا من النموذج التنموي الجديد المعتمد من قبل المغرب كأداتين حاسمتين للتعبئة والتفعيل على مستوى المجال الترابي

2- إجراءات ملائمة وقابلة للتنفيذ وعملية للرفع من قدرة المغرب على اجتذاب الاستثمارات الخضراء والمشاريع المعدة بإحكام والممولة من قبل الصندوق الأخضر للمناخ؛

3- آليات مبتكرة من أجل تعبئة أفضل لمكونات المجتمع المدني الوطني والعربي والإفريقي والدولي (المنظمات غير حكومية والقطاع الخاص والبرلمانيون والنقابات والخبراء والجامعيون ووسائل الإعلام، الخ.( في مجال التكيف مع التغيرات المناخية.

لائحة المصادر:

 للاطلاع على المقال في موقع النشر، يرجى تصفح الرابط التالي:

 https://drive.google.com/file/d/1Ut5sPqhsmrgwziDn47qlvHI0JDWqTVyr/view